لكل زمان دولة ورجال, هكذا تمضي الحكاية الفلسطينية, زمانها الذي تقرع (فلسطين) خزان ذكرياته اليوم هو أواسط القرن العشرين, أما مكانها فهو هذه الأرض التي، ومهما رحل عنها من شهداء، فإنها تبقى ولا ترحل, وما بين ذاك الزمان وذاك المكان وما نحياه اليوم تمتد قصة الألم الفلسطيني من جيل النكبة إلى النكسة وصولا إلى جيل الثورة الذي بات يقارع اليوم قوة عالمية مدججة بالسلاح وهو موقن بحتمية الانتصار.
ففي التاسع والعشرين من تشرين الأول 2007، وفي تمام الساعة الخامسة مساءً اكتملت السنة 51 للمجزرة البشعة التي اقترفها حرس الحدود (الإسرائيلي) بحق سكان بلدة كفر قاسم الواقعة غرب سلفيت، القرية العربية الحدودية الفاصلة بين الضفة الغربية و(إسرائيل)، والتي ضُمت إلى (إسرائيل) ضمن اتفاقية الهدنة لعام 48، حيث باعت بموجبها الدول العربية جزءاً يشبه المثلث من أخصب أراضي فلسطين التاريخية إلى (إسرائيل) لكي تقبل (إسرائيل بالهدنة)، ويومها ما من أحد سأل سكان قرى المثلث عن رغبتهم في الانضمام للدولة اليهودية المحتلة الناشئة.
قتل لأجل القتل
رئيسة وزراء (إسرائيل) غولدا مائير قالت تعقيبا على القتل الوحشي من قبل جنود الاحتلال: الكبار يموتون والصغار ينسون..؟؟ إلا أن أهالي بلدة كفر قاسم يحيون هذه الجريمة البشعة احتراماً لدماء شهدائهم، ففي كل عام يمر على ذكرى هذه الجريمة التي ارتكبتها دولة بحق من تعتبرهم مواطنيها، يمتنع أبناء كفر قاسم عن الذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم، وتجوب المسيرة التقليدية السنوية شوارع البلدة حاملين صور الشهداء وأكاليل الزهور ويزورون أضرحة الشهداء ويقرؤون الفاتحة على أرواحهم الطاهرة، وتسمع الكلمات والقصائد التي تخلد ذكرى شهداء المجزرة، وتتزايد الدعوات لمقاضاة الاحتلال على المجزرة كونها جريمة حرب بشعة تتحمل مسئوليتها دولة الاحتلال، وتغريم من قام بالمجزرة بقرش واحد هو قمة الاستهتار بالانسانية جمعاء ولا يمكن السكوت عنها بمرور الزمن.
ما يجري من محاكمات لمجرمي الحرب في البوسنة والهرسك هو ما سيلحق بمجرمي الحرب من الاسرائيلين، وهذا منوط بمتابعة الفلسطينيين لرفع القضايا على الاحتلال وعدم التراخي في ذلك.
المجزرة والتبادل.. جريمة واحدة
بعد مرور 51 عاماً على المجزرة تقف بلدة كفر قاسم ومعها قرى وبلدات المثلث الفلسطيني أمام تحديات ومخاطر جسام لم تتوقف يوما ما، فما يحاك وما يسمع عنه بين الحين والآخر من مؤامرات حول سلخ أهالي المثلث الفلسطيني من أراضيهم لكثرة تعدادهم السكاني، وضمهم إلى الدولة الفلسطينية مقابل ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية إلى (إسرائيل)، فتصريحات العديد من المسؤولين (الإسرائيليين) في الفترة الأخيرة تؤكد وجود مثل هذه المؤامرة.
رفض القيادة الفلسطينية العلني لا يعني بأية حال رفضهم من وراء الستار كذلك، وكل المؤشرات تقول بموافقة الجانب الفلسطيني على جريمة التبادل كونه الطرف الأضعف ولا يملك أية ورقة قوة تساوم وتضغط فيها على الاحتلال.