في صلاة فجر الخامس عشر من رمضان، الموافق الخامس والعشرين من شباط(فبراير) 1994، ارتكب المستوطن الصهيوني باروخ غولد شتاين مجزرة مروعة بحق المصلين في المسجد الإبراهيمي بالخليل، وقد سقط ضحية هذه المجزرة على الفور تسعة وعشرين شهيداً داخل الحرم، وستة آخرون خارجه، هذا إضافة إلى عشرات الجرحى الذين أصيبوا في تلك المجزرة البشعة.
نفذ المجزرة الطبيب اليهودي "المتدين" باروخ غولد شتاين، وهو يهودي أمريكي، ولد في مدينة بروكلين، وكان يبلغ من العمر عند تنفيذه الجريمة 35 عاماً، وهو من عناصر حركة كاخ الإرهابية.
دخل غولد شتاين لساحة الحرم الإبراهيمي، وهو يحمل بندقية (جاليلي)، وكميات كبيرة من الرصاص والذخائر، وبينما كان المصلون في سجود صلاة الفجر، بدأ بحصدهم برصاص الحقد اليهودي الذي تربى عليه في المدارس الدينية، والمؤسسات التابعة للحركات الإرهابية الصهيونية، التي تدعو كل يهودي إلى قتل أكبر عدد ممكن من الغوييم (الأغيار)، والمقصود بهم (غير اليهود) أيا كانت ديانتهم، فاليهود يعتقدون أنه كلما قتل اليهودي أغياراً أكثر كلما تقرب من الرب أكثر ورضي الرب عنه.
بعد انطلاق زخات الرصاص الأولى من المجرم غولد شتاين، هر المصلون باتجاه بوابات المسجد، فوجدوا أنها قد اغلقت، وتواصل إطلاق النار عليهم، فلم يجدوا أمامهم إلا طلب النجدة والاستغاثة باهالي مدينة الخليل الصابرين، فلبوا نداء إخوانهم وأبنائهم المصلين، لكنهم فوجئوا بإطلاق النار عليهم أيضاً، وسقط منهم عدة شهداء.
فلم يجد المصلون أمام هذا الإجرام الصهيوني إلا حلاً واحداً هو مهاجمة المجرم القاتل باروخ غولد شتاين، وتمكنوا بالفعل من قتله بعد أن نفذ فيهم مجزرة مروعة.
إن من غير المنطقى مطلقاً أن يكون غولد شتاين قد نفذ هذه المجزرة بمفرده، دون مساعدة عناصر الجيش الإسرائيلي المتواجدين في الحرم الإبراهيمي، فكيف يمكن لشخص أن يدخل وبحوزته كل هذه الأسلحة والذخائر دون تنسيق واتفاق؟ ومن ناحية أخرى قام الجنود الصهاينة بإغلاق المسجد على المصلين ومنعوهم من الهرب من رصاصات غولد شتاين التي كانت تلاحقهم في كل اتجاه في المسجد، كما منع الجنود الصهاينة وصول أهالي مدينة الخليل إلى الحرم لنجدة إخوانهم وأبنائهم، بل وقاموا بإطلاق النار عليهم، فسقط منهم ستة شهداء على الفور.
وهكذا يتبين أن المجزرة لم ينفذها باروخ غولد شتاين وحده ، بل بمساعدة كاملة من الجنود الإسرائيليين الذي كانوا في الحرم الإبراهيمي.
ارتج الشعب الفلسطيني على امتداد الوطن عند سماع أخبار هذه الجريمة القذرة، وانطلقت المواجهات في كل أرجاء فلسطين، ومع ذلك واجه الجيش الإسرائيلي المتظاهرين الغاضبين على ما جرى لأبناء شعبهم، وللحرم الإبراهيمي الشريف، وكانت محصلة ذلك اليوم استشهاد خمسين شخصاً، وإصابة 349 آخرين.
علّق الحاخام اليهودي موشيه ليفنغر على مجزرة الحرم بقوله: "إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني عند مقتل ذبابة"
ودفن الصهاينة مجرمهم-و كلهم مجرم – باروخ غولد شتاين في مستوطنة (كريات أربع) الجاثمة على أراضي المواطنين الفلسطينيين إلى الشرق من مدينة الخليل، وجعلوا قبره مزاراً، يتجه اليهود إليه في عيد البوريم (المساخر) ليؤدوا يمين الولاء، والسير على نفس الخطى.
هذا هو باروخ غولد شتاين، وهذه جريمته، ومع ذلك يتواصل الحوار مع شاكلته... فإلى متى؟ ومتى نفيق؟ وكيف يعود المفاوض الفلسطيني إلى ذاته؟ وإلى رشده وصوابه؟