السلام عليكم
ونتابع مع الجزء الثالث والأخير من قصة حياة الفنان ... سلفادور دالي...
من لوحاته :
- رسم دالي لوحة شهيرة بعنوان "ثبات الذاكرة" Persistence of Memory "1931"، يظهر فيها عدد من الساعات التي تشير إلى الوقت، وهي تبدو مرتخية وفي حالة مائعة ، وتعرف اللوحة أيضاً باسم الساعات اللينة ، الساعات المتساقطة ، والساعات الذائبة. وفيها موقف نسبي من الوقت والزمن فيما يشبه نظرية "إينشتاين" .
و يقول بعض الباحثين بأن الفكرة الأصلية لهذه اللوحة قد أتت لدالي في يوم صيفي حار. كان في منزله يعاني من الصداع بينما جالا زوجته تتسوق ، بعد وجبته لاحظ نصف قطعة من الجبن تذوب بسبب حرارة الشمس ، وفي تلك الليلة وبينما كان يبحث في روحه عن شيء ليرسمه ، شاهد حلماً لساعات تذوب في الفراغ ، عاد بعد ذلك إلى عمله الذي لم ينته بعد حيث كان رسم المرتفعات والشجرة ، وخلال ساعتين أو ثلاثة كان قد أضاف الساعات الذائبة وأصبحت اللوحة كما نعرفها الآن.
- "تحولات نرجس المسخية "أو "انمساخ نرجس" "1937" The Metamorphosis of Narcissus: وفقاً للأسطورة الإغريقية وقع نرجس في غرامِ انعكاس صورته على سطح بركة صافية وأخذ يحدق طويلاً بصورته وعندما أدرك عدم قدرته على معانقة الصورة المائية ، وهنت قوته فقامت الآلهة بتحويله إلى وردة .
يظهر في اللوحة نرجس جالساً على حافة بركة من الماء يحدق إلى الأسفل. وهناك شكلٌ صخريٌ متحلل قريب منه ، يتجاوب معه عن كثب. لكن الاختلاف كبيرٌ جداً ، صورةٌ ليدٍ تحمل بيضةً تنمو منها زهرةُ نرجس. وفي الخلف مجموعة من الرجال والنساء العارية من مختلف الأجناس، بينما يلوح شكل شبيه بنرجس في الأفق. وقد كتب دالي قصيدة طويلة مرفقة مع اللوحة ، وبين فيها " أنه تخرج من رأس نرجس زهرة هي نرجس جديد .. جالا نرجستي "..
وتبدو اللوحة مثيرة وصادمة بتشكيلاتها وألوانها ..ودلالاتها متنوعة في عمقها ورمزيتها .. وتجاور الرموز يثير ارتباطات هادفة ومعان هامة .. وهي لوحة سوريالية بامتياز قابلة لعدة تأويلات .
- لوحة "ذيل السنونوThe Swallows Tail s آخر لوحة رسمها سلفادور دالي،انتهت في أيار 1983، وقد استندت على نظرية "رينيه توم" الكوارثية.. وفيها غرابة ورمزية معقدة جداً .
اضطراباته النفسية :
في مقالة حديثة قدمتها الباحثة "كارولين مورفي" Caroline Murphy من جامعة أوكسفورد والمنشورة في مجلة الشخصية والاختلافات الفردية 2009 ، تميل إلى اعتبار دالي مصاباً باضطراب ذهاني واضطراب في الشخصية على الرغم من محاولات دالي إخفاء معلومات هامة عن نفسه في كتبه وتصريحاته الصحفية .
وتشمل أعراضه الموصوفة هلاوس سمعية وحالات من الشك المرضي ونوبات من الغضب والعنف إضافة لهذيانات العظمة وسلوك جنسي استعراضي وإثارة جنسية ذاتية غريبة ، وضحكات غير مناسبة مع تعليقات جارحة غير مناسبة ، وصعوبات في التعاطف مع الآخر مع سلوك احتيالي وسادية .
وإذا وضعنا ماسبق ضمن الإطار التشخيصي للدليل التشخيصي الأمريكي الثالث يمكن إعطاء تشخيص ذهان غير نموذجي وفيه مزيج من أعراض الفصام والاكتئاب ، مع عدة أنواع من اضطرابات الشخصية وهي الشخصية الزورية والفصامية والمضادة للمجتمع والهيستيريائية والنرجسية .
ويشكك باحث آخر في هذه النتائج على اعتبار أن دالي لم يتلق أي علاج نفسي ؟؟ وأنه كان فنانً ناجحاً ومبدعاً ولم يسبب له المرض النفسي تعطيلاً عملياً . ويقترح "نظرية الغرابة المسيطر عليها " والتي تعني أن مزيجاً من الأعراض المرضية النفسية مع صفات نفسية صحية يمكن أن تسهل العمل الفني الإبداعي وأن الغرابة نفسها هي التي تسهل النجاح .
وتتضارب المعلومات حول تلقي دالي للعلاج النفسي .. وقد وردت معلومات بأن زوجته كانت تعطيه أدوية سببت له أعراض شبيهة بداء باركنسون وعادة مايكون ذلك بسبب مضادات الذهان التقليدية .
وتبين الدراسات النفسية الحديثة التي تحاول فهم العلاقة بين العمليات الإبداعية بمختلف أشكالها والاضطرابات النفسية ، أن درجة خفيفة من الصفات الذهانية الفصامية أو اضطراب المزاج الدوري"هوس اكتئابي خفيف" أو اضطراب التوحد وأسبيرجر، يمكن لها أن تدعم وتفسر العمليات الإبداعية الناجحة .. وأن هذه الصفات مفيدة وإيجابية لأنها تؤدي إلى مرونة في التفكير وانفتاح في الذهن وتحمل للمخاطر ، وأنها رافقت الإنسان في سيرته التطورية ، وأن الفارق بين الطبيعي والمرضي هو فارق كمي وليس نوعي .. ولكن هناك ثمن لابد منه وهو أن البعض سيصاب باضطراب نفسي شديد ومعطل .
وأخيراً .. سلفادور دالي فنان ثوري مبدع وأصيل له ذهن خصب يعجّ بالإشراقات والابتكارات . ومن المؤكّد أن هواة الأدب والفن والمثقفين على اختلاف أنواعهم والعلماء النفسيين الذين لايعرفونه جيداً ، سيعجبون بفنه وإبداعاته المتنوعة ، والتي تعكس نبوغ ذلك العملاق وعبقريته الذي قال يوماً :"الفرق الوحيد بيني وبين المجنون هو أني لستُ مجنوناً " .
إنتـــــــــهى بعون الله ..... وأتمنى أن تكونوا قد تعرفتم على الفنان الكبير ... سلفادور دالي...