السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
::::: مرحبا رمضان :::::
حق علينا لك يا رمضان، أن نرحب بك ضيفاً كريماً، وموسماً عظيماً، وخيرات تتوالى، وبركات تتعاظم، وحسنات تتضاعف، وسيئات تتناثر وتنمحي بفضل الله تبارك وتعالى ..
وحري بنا أن نفرح بحلولك والقلوب فيك - بذكر الله - تطمئن، والنفوس تسعد وتأنس، والأرواح ترق وتسمو، والعزائم تقوى وتعلو، والأرحام تُوصل، والزكوات تُخرج، والآيات تُتلى، والعبرات تُسكب ..
نهارك - بالصوم والعبادة - سكينة وطمأنينة، وليلك - بالدعاء والقيام - ضياء وأنوار، من كل وجه وفي كل ناحية خير وعطايا تستحق الشكر والتعظيم، وتستوجب الترحيب والتكريم ..
مرحباً بك يا رمضان مقرباً للجنان، ومباعداً عن النيران برحمة الله تبارك وتعالى
مرحباً بك يا رمضان موقظا من الغفلة والنسيان، وموجهاً للذكر والقرآن ..
مرحباً بك رمضان صارفاً عن الشهوات، وسائقاً إلى الطاعات ..
مرحباً بك رمضان معالجاً للشح والبخل، ومحفزاً للجود والكرم ..
بإتلاف المال بالإنفاق في سبيل الله، مرحباً بك يا رمضان بكل ما فيك من مشقة مرغوبة، وتعب لذيذ، وجهد مريح ..
نعم فنحن المؤمنون الصائمون لا نرى فيك ثقلاً ولا في صومك عبئاً، بل العكس هو الصحيح ..
يا أيها الشهر الذي يُلقى به ***عن كاهل الأرواح نيرٌ مرهقُ
لمرارة الحرمان فيك حلاوة *** ولزهوة الأفواه عطرٌ يـعبقُ
قد ذاقها مستروحاً نفحاتها *** من أدركوا حكم الشريعة واتقوا
ليت الذين استثقلوك فأعرضوا *** وَرَدوا ينابـيع الـتقى وتذوقوا
ما سَرَّهم إذ ذاك أن ممالك الدنـ *** يا لـهم من دون ذلك مِرْفقُ
والسؤال الوارد هو: كيف نبدأ ؟
1- البدء بقوة:
إن طبيعة البدايات القوة والعزيمة، والتهيؤ والاستعداد، فكل أمر في أوله وبدايته يكون أكثر قوة، وأحسن انتظاماً، فبدء العام الدراسي ينتظم الطلاب ولا يغيبون، وكل منهم يعزم على الجد ويبدأ به، والموظف الجديد عندما يبدأ يباشر عمله يكون منضبطاً نشطاً ومؤدياً للواجب وحريصاً على عدم التفريط، وفي البداية تكون الهمة عظيمة، والعزيمة كبيرة، ثم مع مرور الأيام وتتابع الأعمال يتسلل الضعف ويحصل النقص، ولذا فلابد من الحرص على قوة البداية إلى منتهى الغاية، لتكون الانطلاقة القوية موصلة إلى أبعد مدى، حتى إذا عرض بعض الفتور أو التقصير فإن تأثيره يكون قليلاً، وأما إن كانت البداية ضعيفة؛فإن أي نقص يطرأ عليها يعيدها إلى نقطة الصفر أو قريباً منها ..
2- الاستعداد للعوارض:
إن كل بداية لابد أن تكون مصحوبة بتوقع العقبات ومعرفة الصعوبات حتى تكون بداية صحيحة لا تفاجئها ظروف غير متوقعة تحول دون استمرارها، ونحن في رمضان نعرف مسبقاً كثيراً من العوارض التي تنقض البدايات أو تضعفها، فهناك في المجتمع السهر العابث، والنوم المفرط، والطعام الكثير، والإعلام الهابط، والتسوق الشره وغير ذلك مما لا تبقى معه قوة الهمة في الطاعات، فيقل ورد التلاوة، ويضعف الحرص على إتمام التراويح، ويغيب الجد في الاستثمار الوقت، ولذا نرى الناس يعزمون على أمور من أول الشهر ثم لا يلبثون أن يخفقوا في تحقيقها ويلتمسون لأنفسهم أعذاراً واهية من تلك العوارض ..
3- معركة العادات:
كثير من الناس أسرى عاداتهم ومألوفاتهم، وغالباً ما يضعفون عن تغيير القبيح منها تحت الاستسلام لسلطان العادة، ومع بداية كل رمضان يعقد كثيرون العزم على التغيير لكن كثيراً منهم يخفقون في النجاح ويهزمون في معركة العادات، ولعل من أبرز الأمثلة في ذلك حال المدخنين، كما أن هناك من يحتاج ويتمنى أن يكتسب عادات حميدة في الطاعات والعبادات ويبدأ ثم يضعف، ومن الأمثلة الجلية في ذلك الرغبة في الانشغال بالذكر والتلاوة إلى الإشراق وترك النوم في هذا الوقت الثمين، ومن هنا يحسن أن تكون البداية مشتملة على عزم أكيد وحزم فريد يوفر أعظم الأسباب للانتصار بدلاً من الهزائم المتتابعة في كل رمضان ..
وخلاصة ذلك يتركز من تلك الجوانب السالفة الذكر، ونخرج منها بالتوجيهات العملية التالية:
1- ضع الأعلى من البرامج واجعله البداية حتى إذا وقع النقص كان محدود التأثير، فإن أردت ختم القرآن فلا تقرر جزءاً لكل يوم، لأنك إن قصرت - والتقصير حاصل ولابد - فستنخرم الختمة، ولكن قرر جزأين في كل يوم، وحينئذ ستختم مرتين، ولو قصرت وضعفت فإنك ستضمن الختمة بإذن الله ..
2- قاطع بحزم عوارض الطاعات، فلا مشاهدة للقنوات، ولا قبول لكثرة الطعام والوجبات، ولا تساهل مطلقاً لكثرة النوم، ولا استسلام لطبيعة العادات، وليكن ذلك بلا هوادة ولا تنازل ..
3- استعن بالله وأكثر من الدعاء، وتعاون مع إخوانك في التزام بعض البرامج والتعاهد عليها والتذكير بها والمراجعة لها، ليكون ذلك جبراً لأي نقص وتداركاً لأي ضعف، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ..
عسى الله أن يقوي في الطاعات عزائمنا، ويعيننا في هذا الشهر على الاستزادة من الخير، والبراءة من النقص والضعف ..