توفي الشاعر الفلسطيني محمود درويش مساء السبت 9-8-2008، عن 67 عاما، متأثراً بمضاعفات صحية ألمّت به إثر عملية جراحية دقيقة خضع لها في الولايات المتحدة لتنطوي بذلك صفحة مرحلة كاملة عاشها الفلسطينيون، كان خلالها درويش الصوت المعبر عن قضاياهم الوطنية، وتحولت قصائده إلى محطة أساسية ترسم عناوين النجاحات والانكسارات.
وكان الشاعر الكبير قد خضع صباح الاربعاء السادس من اب الجاري لعملية قلب مفتوح، في مشفى "ميموريال هيرمان" الامريكي في هيوستن بولاية تكساس، على أيدي الجراح العراقي حازم صافي، الذي يعتبر من أمهر الاختصاصيين في هذا المضمار. تضمنت الجراحة اصلاح ما يقارب 26 سنتمرا من الشريان "الابهر" الذي كان قد تعرض لتوسع شديد، وسبق أن خضع درويش لعمليتين مماثلتين خلال 1984 و 1998
وأكد عبد العزيز الشيباني، الطبيب المتابع لحالة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، إن الأخير فارق الحياة بعد نزع أجهزة الإنعاش التي كانت تدعم مؤشراته الحيوية السبت، في الساعة السادسة و 33 دقيقة تقريباً بتوقيت غرينتش. وجاء ذلك بعد دقائق من إصدار الناطق باسم رئاسة السلطة الفلسطينية بياناً حول الحالة الصحية للشاعر، نفى فيه ما كانت أجهزة الإعلام، وبينها وكالة الأنباء الفلسطينية، قد أوردته حول وفاته، فقال البيان إن درويش "في وضع صحي حرج للغاية، غير أنه لم يفارق الحياة". وقال شيباني، الذي كان يتحدث إلى محطة "العربية" الفضائية إن درويش شعر باقتراب أجله، وكان يدرك أن العملية قد ترتب له مضاعفات خطرة، وجرى رفع أجهزة الإنعاش عنه بعد قرار اتخذ بالتشاور بين الأطباء وأسرة الشاعر الكبير بعد أن تبين استحالة عودة وظائفه الحيوية إلى طبيعتها.
وبرحيل الشاعر الكبير يفقد الشعب الفلسطيني ومعه الامتان العربية والاسلامية واحدا من فحول الشعراء الذين اسهموا بما قدموه من ثراء فكري ومعرفي وشعري في استنهاض الامة افي لحظة مفصلية صعبة ما زالت ترزح تحت وطاتها.
وتجاوز تأثير درويش المثقفين الفلسطينيين إلى جيل كامل من المثقفين والشعراء العرب الذين لفتهم مزجه البارع للقضايا الوطنية بالرمزية والمعاني الإنسانية العامة، وكانت له - إلى جانب فن الشعر - إسهامات سياسية بارزة، في مقدمتها كتابة "إعلان الاستقلال الفلسطيني" الذي نُشر في الجزائر عام 1988. وكتب درويش مؤخرا مطولته "جدارية"، التي يقول فيها: "هزمتك يا موت, الفنون الجميلة جميعها هزمتك, يا موت الأغاني في بلاد الرافدين, مسلة المصري, مقبرة الفراعنة، النقوش على حجارة معبد.. هزمتك.. وأنت انتصرت".
من جهته، نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشاعر الكبير محمود درويش واعلن الحداد العام لثلاثة أيام تكريما لروح فقيد الشعب والانسانية وتعبيرا عن حب هذا الشعب لابنه البار محمود درويش ". وقال عباس: "كم هو مؤلم على قلبي وروحي ان انعي للشعب الفلسطيني والامة العربية والاسلامية وكل محبي السلام والحرية في العالم رحيل نجم فلسطين وزينة شبابها وفارس فرسانها الشاعر الكبير محمود درويش الذي انتقلت روحه الى بارئها".
واضاف: "ان غياب شاعرنا درويش عاشق فلسطين رائد المشروع الثقافي الفلسطيني الحديث والقائد الوطني اللامع والمعطاء سيترك فراغا كبيرا في حياتنا الثقافية والسياسية والوطنية لن يملاه سوى اولئك المبدعين الذيين تتلمذو في مدرسته وتمثلوا اشعاره وكتاباته وافكاره وسيواصلون حمل رسالته الابداعية لهذا الجيل وللاجيال القادمة."
واضاف الرئيس: "لقد كان صوت محمود درويش وسيظل عنوانا لارادة شعبه فيالحرية والاستقلال وسيبقى اعلان الاستقلال الذي صاغه شاعرنا الكبير عام 1988 مرشدا لنا ونبراسا لكفاحنا حتى يتحقق حلمه في ان يرى وطنه مستقلا ومزدرها بعد ان يرحل الاحتلال عن ارضه".
وكانت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية قد أعلنت في 27 تموز الماضي إصدار طابع بريدي يحمل صورة درويش. وقال سليمان زهيري، وكيل الوزارة، إن إصدار الطابع جاء "تكريما وتقديرا لمكانة الشاعر درويش ودوره في إحياء القضية الفلسطينية بمختلف أنحاء العالم،" وفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية