فنان ارتبط تاريخه وعلاقته مع الجمهور بشخصية "أبو عنتر"، ورغم تقديمه لعشرات الشخصيات المختلفة، يظل "أبو عنتر" لصيقا به، وبعد أن ساءت أحوال الحارة، اضطر المخرجون لإعادة هذه الشخصية لتعيد ترتيب البيت وإصلاح أحوال الناس في الحارة، وحول هذا الدور الجديد، وأسرار حساسة دارت في كواليس باب الحارة، يتحدث الفنان السوري ناجي جبر للشروق...
أبدأ معك من حيث المجابهة المرتقبة بينك وبين "جمال سليمان"؟
لم أكن أتوقع أن شخصية "أبو عنتر" سيعود بريقها وأيامها الساحرة...
يضحك ويقول: هذه المواجهة ستكون في المسلسل الجديد "أيام ساروجة" الذي يجسد فيه جمال سليمان شخصية الزعيم، في حين أقدم أنا شخصية ساعده الأيمن ورجله في الحق، فالأمر ليس مجابهة درامية بقدر ما هي تكاتف لصالح الناس في الحارة، والمسلسل من تأليف أحمد حامد، إخراج علاء الدين كوكش وإنتاج شركة سوريا الدولية للإنتاج الفني.
وكيف تدور أحداث هذا العمل، وهل هو نسخة مكررة من "باب الحارة"؟
العمل ليس شبيها بباب الحارة، فهو شعبي وليس كغيره استعراضا فلكلوريا بقدر ما يتحدث عن قصة واقعية حدثت في فترة ما، وفيه الكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية، وتدور أحداثه في حارة يفترض أن يزورها ملك ألمانيا، وتدور الأحداث من خلال شخصية زعيم الحارة "أبو حسن"، الذي يتصف بأخلاق الشهامة والكرم، والذي يرتكب أخطاء كبيرة بحق أفراد الحارة وبحق أهل بيته بسبب تمسكه بالتقاليد الموروثة، وهنا نجد زعيما حقيقيا ليس كزعيم باب الحارة "عباس النوري". للإشارة، فإن خط الحارة الشعبية في الدراما السورية قديم وليس جديدا، والدراما قدمت عشرات الأعمال منذ سنوات طويلة في نفس المجال، وكلها نجحت، ولكن لا يعني نجاح باب الحارة الكبير أنه الوحيد في هذا المجال.
هل دورك في هذا العمل يعيد "أبو عنتر" للشاشة؟
بصراحة لم أكن أتوقع أن شخصية "أبو عنتر" سيعود بريقها وأيامها الساحرة، ولكن "أبو عنتر" عاد هذه المرة ليصلح أحوال الحارة، معتمدا على ساعديه القويتين، وجرأته اللامحدودة.
وهل ترى أن السنّ سيسمح لك بتقديم هذا النموذج الغريب للقوة؟
لازلت والحمد الله أتمتّع صحيا بنفس كاريزما الشخصية، وشخصية "نمر" التي تحمل الكثير من معالم شخصية "أبو عنتر" التي أحبّها الجمهور، تجسد عدة جوانب انطباعية غير متجانسة بين الخير والشر، فهو الرجل المعتز برجولته وقوته وشراسته والذي يهابه الجميع، لكن هذه الشخصية المتواترة تطرأ عليها فجأة تحولات تقلبها رأسا على عقب لتصبح تلك الشخصية تدور في فلك "الدروشة" ومساعدة الناس وحبّهم، وفي سياق العمل تطرح هذه الشخصية بأدائها وتحولاتها تساؤلات كبيرة نتركها للمشاهد.
ناجي جبر في أيام ساروجة
هل تعتقد أن "نمر" سينجح في حارة "ساروجة" مثلما نجح "سيفو العكر" في حارة "شامية"؟
كلمة "قبضاي" بمعناها الحقيقي وبالتعبير الشعبي الدمشقي تعني المحب للآخرين والذي لا يصمت عن حقه أبدا...
أنا لا أقدم أي شخصية إن لم يكن بيني وبينها حب وعشق، كي أتمكن من لعبها بروحي وكياني، وإلا فسوف أعتذر مباشرة عن أدائها، والذي يجعلني أقوم بأداء أي شخصية هو تأثيرها عليّ قبل تأثيرها على الجمهور، أما بالنسبة للعمل الذي يجري تصويره الآن والذي يحمل اسم "أيام ساروجة"، فإنني أتمنى له النجاح وأتمنى لدوري فيه أن ينال رضا الجمهور واستحسانهم، وشخصية "نمر" التي ألعبها، شخصية طيبة ويعشق الحق ويعشق وطنه، وهو رجل بكل ما تعني الكلمة من معنى، فهو يكره العنتريات التي لا طائل ولا فائدة منها سوى أذى الناس، كما أنه يحب زعيم الحارة، وبالنسبة له هو ساعده الأيمن ويعمل بنصائحه دائما، ولا يخرج عن خط الزعيم ويتصرف من تلقاء نفسه إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.
في الآونة الأخيرة تتعمد تقديم دور "الفتوة" أو مثلما تقولون بالسورية "القبضاي"، على الشاشة لتكشف عن طبيعتك الشخصية، ما ردك؟
كلمة "قبضاي" بمعناها الحقيقي وبالتعبير الشعبي الدمشقي تعني المحب للآخرين والذي لا يصمت عن حقه أبدا، والذي يصمت عن المطالبة بحقه، أنا أعتبره إنسانا مجنونا، وليس "القبضاي" شخص مفتعل للمشاكل، وفعلا أنا "قبضاي" وراء الشاشة.
المخرج بسام الملا عاقبك بقسوة، وحرمك من لعب شخصية "أبو شهاب" التي كتبت لك في "باب الحارة"، بعدما اعتذرت عن أداء شخصية "المخرز" في "ليالي الصالحية"، ما حقيقة هذا الكلام؟
هذا الكلام صحيح، فدور "المخرز" في مسلسل "ليالي الصالحية" كان من نصيبي وكنت على أبواب التصوير، وفي تلك الأثناء كنت قد أعلمت الأستاذ بسام الملا أن هناك كاتبا اسمه مروان قاووق لديه نص يتحدث عن البيئة الدمشقية واسم النص "باب الحارة"، فسألني بسام الملا عن رأيي في النص، فقلت له إنني قرأته وإنه جيد، فقال لي طالما أعجبك النص فحتما سيعجبني، ثم قرأه بنفسه فأعجبه وقرر إخراجه، وأخبرني بأنه يراني في بطولته، ولكن كونه ملتزما مع الكاتب أحمد حامد كاتب مسلسل ليالي الصالحية فسوف يخرجه أولا، ثم سيخرج مسلسل باب الحارة بعد ذلك، لكن "إنما أنت تريد وأنا أريد ويفعل الله ما يريد"، فقد تعرضت لوعكة صحية مفاجئة أقعدتني عن العمل لعدة أشهر ووصلت لمرحلة يرثى لها ورأيت الموت بعيني، وفقدت من وزني خلال عشرين يوما ما يقارب اثنين وعشرين كيلوغراما.
وما حقيقة هذا المرض؟
الأستاذ بسام الملا لم يصبر عليّ، فمنح دور "المخرز" لزميلي "بسام كوسا"...
بالمناسبة أنا لا أخشى الموت فهو حق، لكنني أحب التمثيل وفي الآخرة لا يوجد تمثيل، ثم إنني ملتزم بأولادي الذين هم طلاب جامعات، فالإنسان هنا لا يخشى على نفسه ولكن يخشى على من يعول، وكان مرضي عبارة عن وجود بعض أكياس الماء في الظهر يتم سحبها بواسطة الإبر، ولكن نتيجة التشخيص الخاطئ لأحد الأطباء تأخرت في معرفة السبب الحقيقي لمرضي، وعندما علمت العلة تعالجت وشفيت بحمد الله، واستأنفت العمل في المسرح وفي التلفزيون، وشاركت في مسلسل "غزلان في غابة الذئاب" و"رجل الانقلابات" و"أسير الانتقام".
وكيف كان موقف المخرج "بسام الملا" أثناء تلك الأزمة؟
الأستاذ بسام الملا لم يصبر عليّ، فمنح دور "المخرز" لزميلي "بسام كوسا"، لدرجة أنه لم يزرني في المستشفى، بل ولم يتصل بي ليطمئن على صحتي، رغم أنني أديت واجبي تجاهه عندما أصابته الجلطة أثناء تصوير مسلسل "أيام شامية" وحملته إلى المستشفى وبقيت معه ثلاثة أيام، وعندما قلت له ذلك لم ينكر وقال لي بأنه يكحل عيونه بي ولا ينسى هذا الشيء، فطلبت منه أن يعاملني كما عاملته، لكنه طلب مني وفي أثناء مرضي أن أقوم بالتصوير، فقلت له إن ذلك مستحيل فكيف سيراني الجمهور بهذا الشكل الكئيب الشاحب؟، فما كان منه إلا أن هددني بسحب بطولة "باب الحارة" مني، فأخبرته أنني لا أستجدي العمل من أحد، وقلت له أنا أحب فني فإذا احتجتني ستطلبني لأن ذلك سيخدمك كمخرج وسيخدم المؤلف أيضا ويخدمني أنا، وبالنهاية سيتم تحقيق مصلحة العمل، ولكني لم أصدق أن الرجل الذي تربطني به صداقة عمرها 39 سنة يتصرف معي بهذا الشكل، وعلى أية حال هو مخرج موهوب وله رؤية إخراجية مميزة، ولكن كما قلت لك أنا لا أطلب شيئا من أحد حتى لو كان والدي، وبالتالي ذهب دور البطولة في مسلسل "باب الحارة" لزميلي الممثل سامر المصري.
أنت متهم بتغليب وتصدير اللهجة السورية للعالم العربي على حساب اللغة العربية، بماذا ترد؟
هل كان المطلوب مني أن أتكلم باللغة الفرنسية أو الانجليزية مثلا؟، فأنا لم أتحدث إلا باللغة العربية وباللهجة العامية الدمشقية التي هي قريبة إلى حد بعيد من الفصحى، ثم إنني قدمت أنا والأستاذ دريد لحام عدة أعمال شاهدها الجمهور العربي، وبالنهاية أنا ممثل أقدم كل الأدوار ولا ألعب فقط دورا شعبيا، وبالمناسبة أتحدى أن يجسد أي ممثل سوري أو عربي غيري دور "أبو عنتر" أو "سيفو العكر" أو "صياح" أو حتى "نمر"، لكنني أستطيع أن ألعب كل أدوارهم وهذا هو الفرق بيني وبين بعض الناس، وبدون غرور هذه نعمة وملكة من الله سبحانه وتعالى.
لكن هناك من يرجع تميّزك في هذه الأدوار إلى نشأتك في أحياء دمشق الشعبية؟
العمل ليس شبيها بباب الحارة، فهو شعبي وليس كغيره استعراضا فلكلوريا...
أجدادي موجودون في حي "التيامنه" منذ ثمانمائة عام، وهو حي دمشقي عتيق بباب مصلى أحد أبواب دمشق السبعة، أي أنني أنتمي لجذور عريقة تشرفني وتشرف عملي وأدائي.
أنت أحد أبناء الجيل الذي أسس للدراما السورية، هل تلقى الاحترام اللائق بهذه المكانة من أبناء الجيل الجديد؟
أنا أنتمي للجيل الذي خلق في أرض متصحرة قلع منها الصخور وزرعها وسقاها حتى أثمرت وأزهرت ياسمينا وأشجارا، ليأتي أولادنا من بعدنا ويجدون كل شيء جاهزا، وهذا حال الدنيا فعندما يموت الأب يتقاسم الأولاد الأرض ويذهب كل واحد بطريق، وعندما يتزوج كل واحد منهم يقول لزوجته إنه هو الذي زرع وتعب، ولكن في الحقيقة هو لم يفعل شيئا على الإطلاق، فهناك من يعترف بفضلنا من الجيل الجديد وهناك من لا يعترف.
وهل كانت ظروف التمثيل آنذاك شبيهة بنظيرتها اليوم؟
لا توجد أية مقارنة، فقد كنا ننتظر ونقف بالدور حتى يتم إنتاج مسلسل، وننتظر المخرج ليختارنا، وكل مخرج كانت له "شلته"، فمشكلة الشللية ظلت موجودة منذ تلك الأيام واستمرت على هذا الحال، حتى بدأت بعض الأعمال ترى النور ابتداء من "صح النوم" و"ملح وسكر" الجزء الثاني، و"وين الغلط" و"وادي المسك"، وهنا بدأ الفن يتغلب على الأشخاص.
كثير من أبناء جيلك يخشون على أنفسهم من الجيل الجديد، فما موقفك أنت؟
لا يخشى منهم إلا الضعيف، فأنا أحترم الجيل الجديد وأحتضنه، وأنا كنجم عربي أمتلك الخبرة والكارزمة، إضافة إلى الاجتهاد أشعر أنني كالأسد الذي سيبقى أسدا طول عمره.
ألم تفكر لحظة في الاعتزال؟
إطلاقا، فالفن يسري في عروقي، ولا يمكن ولو للحظة التفكير بالاعتزال، فأنا مازلت مفتونا بذاك الطفل البريء الذي يستصرخ أحلامه الضائعة، أبو عنتر ظل واقفا كالمارد على خشبة المسرح برغم كل الظروف الحرجة التي مرت بالمسرح، وفي كل عام يتحفنا برائعة مسرحية جديدة، يحاكينا ونحاكيه، نرسم له إيقاعات الحياة ويبادرنا بتلوينها، هاجسه الكبير أن يضيء شمعة وحلمه البعيد أن يرى الناس ترسم البسمة الحقيقية على شفاهها.
أين هذا المسرح الذي تتحدث عنه، ألا ترى أنه بات أنقاضا؟
أغلب الفرق المسرحية لم تصل بعد إلى تحليل المعادلة الاجتماعية...
المسرح برغم كل ما عاناه ويعانيه إلى اليوم لازال بخير، فهو فن راسخ لايمكن لأحد أن يلغيه، ففسحة المشاهدة والاستمتاع اليوم هي معادلة بين الجمهور والفنان، وهي معادلة صعبة، لكن مفرداتها كالسهل الممتنع وبقدر ما نكون جادين في تقديم الكوميديا الاجتماعية بإيمائيات تعبيرية تدغدغ مشاعر وأحاسيس العائلة بقدر ما نستطيع الوصول إلى رسم الضحكة والابتسامة البعيدة عن التزييف على وجوههم
وبماذا تفسر انهيار معظم الفرق المسرحية السورية؟
أغلب الفرق المسرحية لم تصل بعد إلى تحليل المعادلة الاجتماعية، وأغلب ما يقدم هو خارج لياقة وحميمية المسرح، فالسقوط سببه الابتعاد عن المسرح الذي لا يجسد الواقع الحياتي بطريقة كوميدية، والاقتراب من الخلاعة، فالمسرح مدرسة كبيرة ومنبر شريف، والمواطن اليوم وفي ظل هذه التداعيات بحاجة إلى ابتسامة بدون استجداء بعيدا عن البذاءة والتهريج والتسويف، نفس المواطن يحتاج مسرحا يناقش جوانب اجتماعية ويطرح إسقاطات سياسية تزيل عن الناس الأجواء الصاخبة المثقلة بالمآسي التي تتعرض لها أمتنا العربية في كل يوم.
ولماذا نلاحظ أن المسرح هو المتنفس الوحيد والصريح للإسقاطات السياسية؟
لقد أصبحت السياسة في دم كل إنسان بالوطن العربي، بفعل ما يجري كل يوم في العالم، وأصبح المواطن مثقلا بالأخبار والكوارث والحروب، حتى في حياته العادية اليومية يتحدث بالسياسة، فالإسقاطات الدرامية السياسية جاءت مواكبة اشتداد حمى وسائل الإعلام بكل أطيافها، والتي أصبحت تدون يوميا في فكر وذهن الناس من خلال مشاهداتهم الفضائية مجمل الأحداث في العالم.
التقيت الرئيس بشار الأسد في جلسة خاصة، ورغم ذلك لم يمنحك وسام الاستحقاق رغم أنه منحه لرفقاء دربك دريد لحام ورفيق سبيعي ونهاد قلعي؟
كان لقائي بالسيد الرئيس الدكتور بشار الأسد لقاء حميميا استمر لمدة الساعتين تقريبا، فهو الأب والأخ ويحب رعيته ويساعد الجميع، وهو رجل بكل ما تعني الكلمة من معنى، وحنون جدا ويعرفنا كفنانين ويتابعنا منذ طفولته فهو ابن البلد، وجلستي معه لا تنسى فهو كريم بأخلاقه وتواضعه وعندما كان يتحدث معي كان يتحدث بحب وإعجاب فقد سألني عن أخي الأستاذ محمود جبر وعن أوضاع الفنانين وأخبارهم أما بالنسبة لمنحي وسام الاستحقاق فأعتقد أنه لم يأت دوري بعد، وأنا واثق إن شاء الله أنه عندما يأتي دوري سيمنحني السيد الرئيس وسام الاستحقاق فلم يبق غيري من الرعيل الأول.