القدس بيت المقدس – أورسالم ، مدينة السلام ، يبوس العربية الكنعانية ، إلياء مدينة الأنبياء ، مهد حضارة الإنسان منذ فجر التاريخ ، ينبوع التوحيد والإيمان حملت مشاعل الحضارة والنور للإنسانية جمعاء بشموخ جبالها وصلابة صخورها وقدسية ترابها وبركة نباتها وأصالة المجاورين لأقصاها الذين واصلوا مسيرة الإنسانية جيلاً بعد جيل لقد تصدوا لكل الغزاة والمعتدين فاندثروا واندحروا فيا من دنستم ثراها ستندحرون كما اندحر الطغاة المستبدون من قبلكم .
هذه المدينة العربية العريقة أنشئت بسواعد عربية قبل اليهودية والمسيحية بأكثر من ألفى عام، دخلها إبراهيم عليه السلام داعية لرسالة التوحيد ومن بعده المسيح عليه السلام حيث بشر بمجيء نبي من بعده اسمه أحمد .
والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إليها أسرى بمحمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ومن فوق صخرتها المشرفة عرج بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا و في ساحة الأنبياء استقبل من النبيين وصلى بهم إماما وهناك صلى بالنبيين الألى صلى إماماً سيد الشفعاءعرجت به الأقدار في كنف الدجى للسدرة العظمى وللعلياء وتتعرض القدس اليوم إلى هجمة تزداد شراستها يوماً بعد يوم، فالمحتل الباغي يطمح في طمس معالم هويتها العربية ويعمل جاهداً على تزييف تاريخها، ويسابق الزمن ليغير معالم آثارها الإسلامية وكم طرد ويطرد وسجن ويسجن من أهلنا المرابطين على ثرى مقدساتنا في فلسطين. إن العدو الحاقد يبعد العرب والمسلمين عن قضية فلسطين وقدس الأقداس ليفترس الشعب الفلسطيني بمفرده في ساحة الصراع ومحاولات الترويض لهذا الشعب متتالية بهدف إضعافه وتركيعه كي يسرح العدو ويمرح ويعبث في مقدسات المسلمين ولكن هل لشعب ينتمي إلى أصالة الجبارين أن يذل أو يخضع أو يفرط معاذ الله أن يكون ذلك كذلك فالقدس هي نبض الروح لشعب الرباط وهي الحلم الذي سيتحقق إن شاء الله آجلاً أو عاجلاً .
أرض القدس طاهرة باركها الله وعلى تلالها المضخمة بأريج التاريخ المجيد بنى أسلافنا الكنعانيون العرب هذه المدينة ذات التراث الخالد .
ففي تلالها وصخورها وجبالها تشم رائحة الأجداد ، آمن أهلها برسالة التوحيد وزارها إبراهيم داعية، وعقبه عيسى عليه السلام الذي بشر بنبي من بعده اسمه أحمد .
وقبل دخول الإسلام فيها بخمسمائة عام كانت خالية من أي يهودي أسرى إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومنها عرج به إلى السماوات العلا فتألقت هذه المدينة كما تتألق النجمة في علياء السماء . إنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .
لم تستسلم للغزو الصليبي فدافع عنها المسلمون وتصدوا للصليبيين فحررت على أيدي الفاتح صلاح الدين وارتفعت عليها رايات المسلمين وما كان فيها أي يهودي في هذا الزمن . إن المسلمين هم الذين أوجدوا ملجأ للطائفة اليهودية الاشكناز من يهود الخزر والسفرديم من مشردي يهود شبه جزيرة " ايبرية " ببيت المقدس في العهد العثماني وبعد ذلك بدأ سيل الهجرة وخاصة بعد مؤتمر بال سنة 1897 ووعد بلفور سنة 1917 م وهاهي إسرائيل تنبش الأرض بحثاً عن هيكل مزعوم أو آثار تثبت قدماً لوجودها ولكن هيهات هيهات أن يتحقق لهم ذلك التزييف على التاريخ .
إن القدس الشريف تعرضت عبر التاريخ إلى أعنف أنواع الجور وإلى أقسى المظالم ولكنها لم تطأطيء رأسها بل ظلت شامخة ترد السهام إلى نحور الطامعين والمتعصبين والمغامرين .
ستظل القدس شامخة بصمود أبنائها المرابطين استجابة لمنطق الحق وامتثالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله عز وجل وهم كذلك قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس " . ومنذ أن وطئت أقدام السلطة الوطنية الفلسطينية ثرى أرضنا سرعان ما أنشأت وزارة الأوقاف والشئون الدينية التي أولت شعبنا في القدس كل اهتمام فإذا تلبدت سماء القدس بالسحب الداكنة فلسوف يبزغ الفجر الوضاح ليعيد للقدس حريتها وتسامحها وثقة المرابطين فيها بنصر الله، ولسوف يرتفع علم التحرير خفاقاً فوق روابيها وستبقى للأبد عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة .
ولقد زاد الله تعالى بيت المقدس شرفاً عالي المكانة بأن أنزل على رسوله وهو فيها ليلة الإسراء آية من سورة الزخرف آية (55) وهي : " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " تفسير الطبري . وهذه هي الآية الوحيدة التي لم تنزل في مكة أو المدينة وإن نزولها زاد قصة الإسراء والمعراج جلالاً . ولقد بين عليه الصلاة والسلام أهمية المسجد الأقصى وربطه بمسجدي مكة والمدينة فقال صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " .
المسجد الأقصى المبارك
ويطلق هذا الاسم على كامل المنطقة البالغ مساحتها مائة وواحد وأربعون دونماً ويتواجد المسجد الأقصى في وسطها وهذا الاسم مقتبس من القرآن الكريم في قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " والمقصود بالحرم الشريف تلك المنطقة التي تقوم على ربوة شبه منحرف الأضلاع تقع في الجهة الشرقية الجنوبية للقدس وقياساته كما يلي :
1-الحد الجنوبي 281م
2-الحد الشمالي 310م
3-الحد الشرقي 462م
4-الحد الغربي 491م
وكان أول بناء للمسجد الأقصى في عهد الخليفة عمر بن الخطاب حوالي عام 20 هـ وكان مبنياً من الخشب أما المسجد الثاني فقد بناه عبد الملك بن مروان وأكمله ابنه الوليد وكانت مساحته ضعف مساحة البناء الحالي وأما المسجد الحالي فيرجع إلى الفترة الفاطمية حيث قام المعز لدين الله بتضييق المسجد وإزالة أربعة أروقة من كل جانب وكان منبره من طراز فريد في فن المعمار وآية من آيات الجمال جلبه صلاح الدين بعد تحرير بيت المقدس من الصليبين ولقد أحرق هذا المنبر يهودي صهيوني حاقد اسمه روهان في يوم 21/8/1969م .
كما وأحيطت هذه المنطقة من الجهتين الجنوبية والشرقية بسور المدينة الذي يعود تاريخه للفترات الإسلامية الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وأما من الجهة الشمالية والغربية فلقد أحيطتا بأروقة تم بناؤها في الفترتين الأيوبية والمملوكية ولهذا المسجد مكانة دينية مقدسة عن المسلمين لأن النبي صلى الله عليه سلم قال " صلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد وقال صلى الله عليه وسلم عندما سئل أي المساجد وضع أولاً يا رسول الله ؟ قال المسجد الحرام قيل ثم قال المسجد الأقصى قيل : وكم بينهما قال : أربعون عاماً".
ويكتنف هذه المنطقة الصخرة المشرفة التي عرج منها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا والقبة التي بنيت فوقها (قبة الصخرة المشرفة) والمسجد الأقصى يزدان بالمآذن والقباب والأروقة وهناك الأسبلة والمساطب والمحاريب وكل هذه المناطق مباركة لدى جميع المسلمين .
مسجد الصخرة
بني هذا المسجد في عام 66هـ 685م بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ولقد أشرف على بنائه رجاء بن حيوه الكندي ويزيد بن سلام ولقد تم رصد ريع خراج مصر على مدار سبع سنوات كاملات لتغطية نفقات هذا المشروع الفريد ولقد تم البناء بعون الله في 72هـ –991م ولقد فاض من المبالغ المرصودة لإعماره مائة ألف دينار رغب الخليفة أن يعطيها مكافأة تقسم بين رجاء ويزيد مناصفة لجهودهما وإخلاصهما في إتمام هذا المشروع ولكنهما رفضا رفضاً باتاً ولذلك أمر الخليفة أن تصهر النقود الذهبية لتطلى بها القبة والأبواب فلذلك فاقت هذه القبة حدود الإبداع والجمال بسبب هذا اللون النحاسي المطلي بالذهب . وهذا المسجد تحفة هندسية نادرة لما فيه من نقوش فسيفسائية تزدان بها جدرانه وأعمدته ولقد سمي مسجد الصخرة نسبة إلى الصخرة الجرداء التي تتوسط المسجد والتي يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بها في صعوده إلى السماوات العلا .
ورفرفت في روابيها أعلام السلام والتسامح الديني بين الرسالات الثلاث ولكن بعدما وقعت القدس الشريف وأقصاها في قبضت الاحتلال لاقى أهلها أنواع التمييز العنصري وألواناً من المعاناة والمآسي، الأشجار اقتلع منها عشرات الآلاف، المنازل هدم منها الكثير الكثير وحتى المسجد الأقصى المبارك فلقد تعرض منبر نور الدين زنكي إلى إحراقه بفعل العمل الإجرامي عام 1969 ولم يبق له أثر .
إن العالم الإسلامي قادة وشعوباً مطلوب منهم أن يعملوا على فك أسر مدينة القدس والأقصى المبارك ليلتئم عقد المقدسات بالمسجد الحرام بمكة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة .