بسم الله الرحمن الرحيم
المسلم كريم مضياف
إن إكرام الضيف فى الإسلام عمل كريم محبب للمسلم الصادق ،
ودليل واضح على قوة إيمانه ،
وهذه المعاني قد أشر بها من تعاليم النبى صلى الله عليه وسلم الذى حثنا على إكرام الضيف فقال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه "متفق عليه .
ولقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى من خلال عرضه لقصة إبراهيم الخليل عليه السلام قال تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ *
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ) (1) .
وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة دليل على ذلك ،
فلقد روى أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه ، فقلن : ما عندنا إلا الماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يضم ( أو يضيف ) هذا ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا ، فانطلق به إلى إمرأته فقال : أكرمى ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ما عندنا إلا قوت الصبيان ،
فقال : هيئ طعامك ، فأصلحت سراجها ، ونومت صبيانها ، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته ، وجعلا يريانه أنهما يأكلان ، وباتا طاويين فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ، وأنزل الله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
).
ولقد قيل : الضيف دليل الجنة ، وقال شقيق البلخى : ليس شئ أحب إلى من الضيف لأن مؤنته على الله تعالى ومحمدته لي " وقال يحيى بن معاذ : لو كانت الجنة لقمة فى يدى لوضعتها فى فم ضيفى .
وقال النبى صلى الله عليه وسلم ( لا تزال الملائكة تصلى على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة بين يديه حتى يرفع).
.
وعن علي قال : لأن أجمع إخوان على صالح طعام أحب إلىّ من أن أعتق رقبة ، وكان الصحابة يقولون : الاجتماع على الطعام من مكارم الأخلاق"
).
وليس الغرض من الطعام هو الأكل فى حد ذاته ، بل الغرض هو " الإجتماع فى المأدب ليحصل الأُنس ، كما أوجبت الشريعة على الناس أن يجتمعوا فى مساجدهم كل يوم خمس مرات ، وفضلت صلاة الجماعة على صلاة الآحاد وليحصل لهم هذا الأنس الطبيعى.
لذا كان الاجتماع على الضيافة فرصة لتعلم أدب الاسلام الخاصة بالضيف والخاصة بالمضيف .
آداب الضيف:
من الآداب التى ينبغى على الضيف أن يراعيها حتى يكون ضيفا خفيف الظل : -
1- ألا يلتمس وقت الطعام ليدخل على الناس فيه قال تعالى :
( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا ... "
2- إذا دخل ووجد طعاما فلابد أن يكون ذكيا ، صاحب إحساس مرهف " فإذا قيل له كُل فلينظر إذا
كان ذلك رغبة أكل , وإذا كان حياء فلا ينبغى أن يأكل بل ينبغى أن يتعلل.
3- ألا يقترح طعاما بعينه وإن خير بين طعامين اختار الأيسر ، ولا يقصد بالدعوة نفس الأكل ؛ بل ينوى الاقتداء بسنة النبى صلى الله عليه وسلم"
4- ألا يحتقر ما يقدم إليه من طعام وليأكل ولا يسأل عنه ولا يكثر من الأكل .
5- أن لا يسأل صاحب المنزل عن شئ من داره سوى القبلة وموضع قضاء الحاجة .
6-
ألا يقصد أحسن الأماكن للجلوس ؛ بل يلزم الموضع الذى يشير إليه صاحب البيت ، ولا يخالفه فى ذلك
7- عليه بالتواضع ولا يشوش على المضيف ولا يحرجه فلقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " لا يحل لمسلم ، أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه ( أى يحرجه ) قالوا : يا رسول الله ! وكيف يؤثمه ؟ قال : " يقيم عنده ولا شئ له يقربه به "
8- لا يكثر النظر إلى الموضع الذى يخرج منه الطعام فذلك دليل على الشره ، كما عليه ألا ينظر إلى
حريمه .
9- إن رأى منكرا يغيره إن قدر وبلطف وإلا أنكر بلسانه وانصرف .
10- ينبغى إذا أكل أن يدعو للمضيف ، ولقد كان السلف الصالح يدعون للمضيف فيقولون " اللهم إن كان هذا الطعام حلالا فوسع على صاحبه وأجزه خيرا ، وإن كان حراما أو شبهة فاغفر لى وله , وارض عن أصحاب التبعات يوم القيامة برحمتك يا أرحم الراحمين ".
11- ويدعو بالدعاء الكريم " أكل طعامك الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت عليم الملائكة الاخيار ، وذكركم الله فيمن عنده " .
12- وبعد هذا كله وقبله أن يزور غبا ، فإن الزيارة الغب تزيد المحبة ففى الحديث الذى رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " زر غبا تزدد حُبا "
ولقد قال أحدهم :
عليك بإقلال الزيارة إنهـــــــــا **تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
فإنى رأيت القطر يسأم دائبــا **ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وقال آخر :
زر إن أردت الوصل غــــــبا **تزدد إلى الإخوان حبــا
لا تجعلــــــن أخــــا وإن **منح الواداد عليك دبــــا
فيضيق عنك فناؤه ** يوما وكان عليك رحبــا
وابعد بنفســــك مــن أخ ** تزدد ببعد منه قربا
آداب المضيف :
المسلم الحق لا يتمململ ولا يضجر إذا جاءه ضيف ؛ بل يهش ويبش له ويكرمه غاية الإكرام ؛ لأنه يعرف أن " الضيف يأخذ حقه وجوبا " ، فإكرام الضيف واجب ، وهو علامة المروءة وهو لا يأنف من خدمة ضيفة ، ومن حكم لقمان : أربع لا ينبغى لاحد أن يأنف منهن وإن كان شريفا أو أميرا : قيامه من محله لأبيه ، وخدمته لضيفه ، وقيامه على فرسه ، وخدمته للعالم.
ومن الأداب التى يجب أن يراعيها المضيف مع ضيفه
:
1- تعجيل الطعام ، لأن ذلك من إكرام الضيف ، قال حاتم الأصم :
العجلة من الشيطان إلا خمسة فإنها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " اطعام الضيف ، وتجهيز الميت ، وتزويج البكر ، وقضاء الدين ، والتوبة من الذنب "
2- إذ ا عزم على ضيفه بالطعام فاعتذر فأمسك عنه بمجرد الاعتذار وكأنه تخلص من ورطه ، كان ذلك علامة على بخله وسوء تصرفه
, بل لا يقول لضيفه : هل أقدم لك طعاما ؟ فإن ذلك علامة البخل أيضا ، بل عليه أن يقدم الطعام ، وكما قال الثورى
:
إذا زارك أخوك فلا تقل له أتأكل ؟ أو أأقدم إليك ؟ ولكن قدم فإن أكل وإلا فارفع.
ألا يبخل بمائدة ، أو يوارى بعض الطعام .
حكى عن بعض البخلاء أنه استأذن عليه ضيف وبين يديه خبز وزبدية فيها عسل نحل ، فرفع الخبز ، وأراد أن يرفع العسل ، فدخل الضيف قبل أن يرفعه ، فظن الرجل أن ضيفه لا يأكل العسل بلا خبز ، فقال له : ترى أن تأكل عسلا بلا خبز قال : نعم ، وجعل يلعق العسل لعقة بعد لعقه ، فقالا له هذ1 البخيل ، مهلاً يا أخى والله أنه يحرق القلب ، قال : نعم صدقت ولكن قلبك " .
ولقد تحدث الامام الغزالى قى آداب المائدة وحسن تنظيمها فقال : إن من الأوفق تقديم الفاكهة لأنها أسرع اشتمالة وهى أوفق فى الطب إذا واقعت فى أسفل المعدة ، ثم بعدها اللحم ، لأن الله قال : " وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون "
فقدم الفاكهة ثم بعدها اللحم.
4- ومن الآداب التى يراعيها المضيف كذلك ألا يرفع المائدة قبل أن يأخذ الضيف كفايته من الطعام.
5- وكذلك لا يشبع قبله ثم ينصرف ويتركه لأن ذلك يحرج الضيف ، بل حتى لو كان شبعانا أن يشاركه أو حتى يوهمه بالمشاركه
.
محادثة الضيف بما يميل إليه نفسه ، ولا ينام قبله ، ولا يشكو الزمان بحضوره ، كما لا يكلف نفسه فوق ما يطيق .
سُئل الأوزاعي : ما إكرام الضيف ؟ قال : طلاقة الوجه ، وطيب الكلام .
قال الشاعر :
وإني لطلق الوجه للمبتغـي القِـرى * * * وإن فنائـي للـقـرى لرحـيـب
أضاحك ضيفي عند إنـزال رحلـه * * * فيخصب عنـدي والمحـل جديـب
وما الخصب للأضياف أن يُكثر القِرى * * * ولكنمـا وجـه الكريـم خصيـب
وقال آخر:
لحاف لحاف الضيف والبيت بيته * * * ولم يلهني عنه الغـزال المقنـع
أحدّثه إن الحديث مـن القـرى * * * وتعلم نفسي أنه سـوف يهجـع
روى أن عليا رضي الله عنه دعا رجل فقال : أجيبك على ثلاث شرائط لا تدخل من السوق شيئا ، ولا تدخر ما فى البيت ، ولا تجحف عيالك "
[size=16]8- وكذا من السنة تشييع الضيف إلى باب الدار .
اللهم اجعلنا ممن يكرمون الضيف حتى ننال هذه الشعبة من شعب الإيمان .