تغييب مدينة القدس ، يجري على يد العرب ، قبل غيرهم ، واذا حمل احدنا اليوم صورة مسجد قبة الصخرة اللامعة الذهبية وطاف بها على عشرات الاف التلاميذ العرب ، لاخبرك غالبيتهم انهم لا يعرفون اسم المسجد ، ولاخبرك من يعتقد انه يعرف..ان الصورة هي للمسجد الاقصى.
في نشرات الاخبار ، وفي الصحف ، وفي العملات الورقية والمعدنية ، وفي الهدايا والمجلات والصور التذكارية ، والكتب وكل ما يتعلق بمدينة القدس ، يتم الرمز لها بصورة مسجد قبة الصخرة ، وتغيب صورة المسجد الاقصى بقبته السماوية ، واذا كان اليهود يريدون هدم المسجدين كليا ، فهم يكتفون اليوم بمخطط يتحدث عن هدم المسجد الاقصى ، وابقاء مسجد قبة الصخرة للعرب والمسلمين ، والحفريات تحت الاقصى ، ستكون سببا في هدمه ، مع اي هزة او زلزال صناعي تخطط له اسرائيل ، وعندها لن يبقى لنا سوى مسجد قبة الصخرة بقبته الذهبية ، ونفسيا وعاطفيا ، سنقبل بالعوض والتعويض ، فالقدس في ذهنية الكثرة يتم الترميز لها بقبة الصخرة ، وقبة الصخرة موجودة ، لم تهدم ، والغائب هو الاقصى ، والاقصى لاتعرفة غالبية الاجيال هذه الايام.
حتى مشايخنا ، قدس الله اسرارهم ، وبحسن نية ، طبعا ، يخرجون علينا ليقولوا ان كل الحرم القدسي هو اقصى ، وهو يقولون ذلك للدلالة على حرمة وقدسية كل المكان ، لكنهم ينسون في غمرة هذا الكلام ، ان هذا الكلام يناسب ايضا اسرائيل ، ويرضيها بشكل غير مباشر ، حين يقول اليهود...حسنا لنهدم المسجد الاقصى ذا القبة السماوية ، ونبني الهيكل مكانه ، وليحتفظ العرب بنصف الحرم ، الذي فيه مسجد قبة الصخرة ، الذي يعتبر بمثابة اقصى كذلك ، وفيه العوض والتعويض ، وحل مشاكل المسلمين واليهود على حد سواء.
المسجد الاقصى ، مهدد ، وعلى جميع الفعاليات والاحزاب والصحف والمجلات ووسائل الاعلام التلفزيوينة ، ومن يطبع الصور والهدايا ، وغير ذلك ان يبتعدوا صورة المسجد الاقصى كلقطة معتمدة للدلالة على القدس ، وان نتوقف عن استخدام صورة قبة الصخرة كرمز للقدس ، وان نلجأ لاستخدام صورة المسجد الاقصى ، او كل الحرم القدسي ، حين الحديث عن القدس ، فهذا التغييب العربي والعالمي لصورة المسجد الاقصى ، هو كارثة بحق ، خصوصا ، ان المكان ليس موقعا فلسطينيا ، بالمعنى الوطني وحسب ، انه اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، وهو مثل الكعبة في قداسته.
كيف ستحرر هذه الامة موقعا مثل مدينة القدس ، ما دامت غالبية المسلمين لا تعرف حتى صورة المسجدين ، او احدهما ، وكيف ستحرر مثل هذه الامة موقعا مثل المسجد الاقصى وهي لا تعرف صورته ، ولا طبيعة الخطر المحيق به ، وكيف ستحرر هذه الامة ، مدينة محتلة مثل القدس ، وهي تتفرج بكل بلاهة على مصادرة الاراضي وبناء المستوطنات وطرد اهلها منها ، وترك البقية يحملون الجواز الاسرائيلي قهرا او طواعية ، ويغرقون بسبب الضرائب ، او يبنون منازلهم ويوقعون اقرارات بأنهم مجرد سكان وليسوا ملاكا...ولماذا يتخاذل المال العربي في معركة القدس ، ونجد ان العرب ينفقون المليارات على مشاريع ليست ذات قيمة ، وعلى العابهم وجواريهم وغلمانهم وطائراتهم وسفنهم ، ولا يدفعون قرشا ، لانقاذ المدينة المحتلة ، او لابقاء اهلها فيها على اقل تقدير.
اذا كان العالم يتآمر علينا ، فان نصف المصيبة من صنع ايدينا ، ومن واجبنا اليوم ، ان نتذكر ان من يفرط في مدينة دينية ، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة ، فهو سيفرط بغطاء رأس امه ، كذلك ، وسيسلمها حتى الى الغرباء ليفعلوا بها ما يشاؤون ، فالقدسية والحرمة ، لا تتجزأ ، ومن نراهم يبكون عند الكعبة ، نراهم يسكتون عندما يتعلق الامر بمدينة القدس ، وهي دموع التماسيح ، التي يعرف الله فقط ما في قلوب اصحابها من صدق او رياء.
المسجد الاقصى ليس بحاجة الى دموع ، ولا..الى اصوات جهورية في المظاهرات والمسيرات ، وعلينا فقط ان نذكر هذه الاجيال ، بالفرق بين المسجدين ، في الحد الادنى ، قبل ان نطالبهم بالجهاد ، وهم لا يعرفون قصة القدس من الفها الى يائها.
لي منبر هناك ، ومن حقي ان اقف عليه ، مثلما هو حق لكل واحد فيكم..ان يصلي في المسجد الاقصى.