أين الحقيقة الفلسطينية ؟
بقلم : صلاح صبحية
أين الحقيقة ؟ حقيقة الوطن الفلسطيني الذي أصبح مجهول الأرض والشعب ، حقيقة الأرض التي كانت أرضنا وما عاد أسمها فلسطين ، حقيقة الشعب الفلسطيني الذي تشظى اسمه ليصبح شعوباً في الأرض المحتلة عام 1948 وفي الأرض المحتلة عام 1967وفي مخيمات اللجوء في الشتات وفي دول الغرب والشرق والشمال والجنوب ويسمونه جاليات ، حقيقة القضية الفلسطينية التي ما عاد اسمها القضية الفلسطينية لأنّ الصراع لم يعد صراع وجود بل صراع حدود، حقيقة اللاجئين الفلسطينيين التي يريدون لهم أن يصبحوا جاليات فلسطينية ليرتاح البعض من قضيتهم ، حقيقة حيفا ويافا وعكا وصفد التي لم تعد مدناً فلسطينية ، حقيقة الانقسام والمصالحة الذي هو في مصلحة أولي الأمر في الضفة وفي القطاع ، حقيقة غياب منظمة التحرير عن شعبها التي يعمل البعض جاهداً لجعلها تاريخاً في سفر التراجيديا الفلسطينية ، حقيقة حركة فتح التي تخلت عن اسمها وكأنها تعترف بجريمتها بحق شعبها يوم أطلقت الرصاصة الأولى في الفاتح من كانون الثاني عام 1965 ، حقيقة الفصائل الفلسطينية التي باتت لا تسمن ولا تغني من جوع وأصبح لها غثاء كغثاء البحر ، أين الحقيقة ، حقيقة الوجود الفلسطيني بكل مكوناته ، وأين تكمن هذه الحقيقة في ظل الضياع الفلسطيني بين المفاوضات وبين الدولة ، وأيهما أهم للشعب الفلسطيني ، لا فرق بينهما ما دامت المفاوضات والدولة يستندان إلى حل الدولتين ، أي إلى ضياع حقيقة الوطن ، فكيف يلتقي حل الدولتين مع أرض فلسطين الممتدة من البحر إلى النهر ، وكيف يلتقي حل الدولتين مع شعب فلسطين الممتدة جذوره في أرض فلسطين منذ الكنعانيين وقبل أن تطأ قدما إبراهيم عليه السلام أرض فلسطين ، وكيف يلتقي حل الدولتين مع وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ، وكيف يلتقي حل الدولتين مع حقيقة الصراع الذي يراه العدّو الصهيوني بأنه صراع وجود بينما يراه المفاوض الفلسطيني صراع حدود ، فالعدّو الصهيوني يريد شطب الوجود الفلسطيني من خارطة العالم الجغرافية والسياسية والمفاوض الفلسطيني يعمل على حل الدولتين من أجل تحقيق وعد بلفور بأنّ فلسطين هي الوطن القومي لليهود وتثبيت الكيان الصهيوني بإرادة فلسطينية على خارطة العالم السياسية والجغرافية .
فأين هي الحقيقة ؟ الحقيقة المرّة التي نعيشها اليوم هي الضياع الفلسطيني والتيه الجديد للشعب الفلسطيني ، ولكن هذا الضياع وهذا التيه اليوم ليس بفعل أوربي أمريكي صهيوني وإنما بإرادة فلسطينية خالصة وهي إرادة المفاوض الفلسطيني التي عميت بصيرته عن حقيقة الصراع مع عدونا ، حتى بات لا يفكر بأن يحارب عدّوه ولو بالكلمة ، بل نراه ما فتأ صباح مساء يعلن بأنّ التوجه إلى الأمم المتحدة وعلى حد قوله ( لا يعني عزل إسرائيل دولياً ) ، كما إنه يعلن باستمرار بأنّ هذا التوجه ليس تصرفاً أحادي الجانب من قبل المفاوض الفلسطيني ، أي وبصورة أوضح وأظهر للحقيقة أنّ المفاوض الفلسطيني لا يريد أن يعادي عدّوه ، بل أنّ عدّو الشعب الفلسطيني وعدّو الفلسطينية برمتها أصبح صديقاً حميماً للمفاوض الفلسطيني ، فلذلك فالمفاوض الفلسطيني يعلن كل يوم بأنه مستعدٌ للعودة إلى طاولة المفاوضات ، ولكن أية مفاوضات سيعود إليها المفاوض الفلسطيني والمفاوضات لم تتوقف أبداً وهي قائمة على أعلى المستويات ، وإلا ماذا تعني اللقاءات الأربع المنتظمة بين الرئيسين الفلسطيني والصهيوني ، ولم يعد الشعب الفلسطيني وهو يرى غموض المفاوض الفلسطيني يثق بهذا المفاوض الذي لم يعد يهمه سوى طاولة المفاوضات أينما كان وجود هذه الطاولة وأي كان الثمن المدفوع فلسطينياً ، فهل الحقيقة تكمن بعدم وجود عدو للشعب العربي الفلسطيني يحتل أرضه ، وهل يجرؤ المفاوض الفلسطيني بأن يقول أنه يفاوض عدوه الصهيوني ؟
وأين هي الحقيقة ؟ الحقيقة في وجود الانقسام والمصالحة معاً ! ولا عجب من ذلك ، فالانقسام والمصالحة يسيران في خطين متوازيين لن يتقطاعا في هذه المرحلة عل الأقل ، فكلا الحركتين ( فتح وحماس ) والسلطتين ( رام الله وغزة ) بحالة استرخاء تام ، فالانقسام لم يعد يضير الحركتين طالما قبلت كل من الحركتين التمسك بالسلطة حيثما هما وطالما الانقسام يحقق وجود كل منهما على رأس السلطة ، وطالما كانت السلطتان تحققان التهدئة والتنسيق الأمني مع العدّو الصهيوني ، وحقيقة الانقسام وحقيقة المصالحة مع عدم التنفيذ يلبي الخيار الصهيوني فلسطينياً إما الصلح مع حماس وإما السلام مع الاحتلال ، فلماذا لا يكون خيار المفاوض الفلسطيني الجهتين معاً فهو يجعل من المصالحة علاقات عامة فلسطينية من اجتماعات شهرية بين فتح وحماس يعلن من خلالها الاتفاق على مسألة دون أن تقوم كلا الحركتين بالتنفيذ وآخرها الاتفاق بالإفراج عن كافة المعتقلين لدى الجانبين من كلي الجانبين ، فإذا كان العدّو يعمل على استمرار المفاوضات وفق شروطه لعشرات السنين فكذلك فإنّ الحركتين فتح وحماس تعملان على تنفيذ اتفاق المصالحة خلال عشر سنوات على الأقل ، فالوضع الفلسطيني اليوم بشأن الانقسام والمصالحة يرضي الجهات الثلاث فتح وحماس والعدّو الصهيوني ، فحركة فتح لم تمضي قدماً لتنفيذ اتفاق المصالحة وحركة حماس ليست مستعجلة في تنفيذ الاتفاق والعدّو الصهيوني مرتاح لهذا الوضع الفلسطيني المأساوي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده .
وأين هي الحقيقة أيضاً ؟ فاللاجىء الفلسطيني في مخيمات الشتات أصبح قلق على مصيره في ظل التوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية على أساس حل الدولتين ، هذا الحل الذي يعني شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين ما دام المفاوض الفلسطيني قبل وأقر بوجود دولة الكيان الصهيوني التي هي الوطن القومي لليهود ، وقبل أن تكون الدولة الفلسطينية هي الوطن القومي للفلسطينيين ، فإنّ هذا يعني بأنّ وطن اللاجئين الفلسطينيين هو أرض الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع ، وأنّ حيفا ويافا وعكا وصفد قد شطبت من جغرافية وتاريخ فلسطين ، وكذلك فإنّ اللاجىء الفلسطيني أصبح يرى أنّ منظمة التحرير الفلسطينية التي هي كيانه السياسي ووطنه المعنوي وممثله الشرعي الوحيد لم تعد كذلك في ظل الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وأن يتحوّل من مجموعة لاجئين في مخيمات اللاجئين إلى جاليات فلسطينية في الدول العربية المستضيفة لهم ، وهذا يخلق واقعاً جديداً للفلسطينيين في الدول العربية المضيفة تجعلهم يفقدون بعض حقوقهم الممنوحة لهم كلاجئين ، وتصبح إمكانية طلب هذه الدول المضيفة لهم مغادرة أراضيها إن لم يكن طردهم إلى دولتهم حدثاً طبيعياً وبالتالي سيشكل هذا عبئاً على الدولة الفلسطينية أولاً ، كما سيشكل هذا حالة لجوء وتشرد جديد للاجئين الفلسطينيين الذين سيحتاجون إلى كافة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية إذا ما توفرت لهم مساكن إنسانية ، فهل أدرك المفاوض الفلسطيني هذه الحقيقة القاسية ؟
وأين هي الحقيقة كذلك ؟ فالفصائل الفلسطينية التي انطلقت في العام 1965 وما بعد تقاوم العدّو الصهيوني على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 قد أسقطت هذا من تاريخها إن لم يكن نظرياً فقد أسقطته عملياً ليس كخطوة تكتيكية وإنما كمشروع استراتيجي ، فأصبحت أسماء هذه الفصائل محل تساؤل ، فهل ما زالت الفصائل تعني حقيقة مسمياتها ، أم أنّ أسماءها أصبحت مجرد عنوان لوجودها ، ولم يعد يهم هذه الفصائل حقيقة وجودها لأنها باتت تقبل بالتنسيق الأمني مع العدّو الصهيوني لحماية الاحتلال على أرض الضفة ، وكذلك أصبحت تتسارع فيما بينها لإعلان التهدئة مع العدّو الصهيوني بعد أن تطلق بضعة صواريخ من قطاع غزة على العدّو في الأرض المحتلة عام 1948، كما أنّ هذه الفصائل بلا استثناء قد فقدت قدرتها على تصويب عمل المفاوض الفلسطيني لأنها لم تعد تعبر عن حقيقة مضمونها التاريخي بقدر ما أصبحت تسعى للمحافظة على استمرار وجودها من خلال تأمين المصالح الشخصية للقائمين عليها ، فأي حقيقة تعيشها هذه الفصائل ؟ فلذلك ليس غريباً أو مستغرباً أن يخرج الشباب الفلسطيني لينادي بأنّ الشعب الفلسطيني يريد إسقاط الفصائل .
والحقيقة التي يجب أن يجسدها الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وفي كافة أماكن تواجده بأنّ قضيته هي قضية وطن ، قضية أرض وشعب ، قضية تاريخ وجغرافيا ، قضية صراع وجود لا صراع حدود ، وقضيته هي قضية دولة فلسطين على أرض فلسطين التاريخية وليست الدولة الفلسطينية التي تشطب حقوق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه التاريخي وتمنح العدّو الصهيوني حقاً على أرض فلسطين ، والحقيقة تكمن فيما قاله ابني المولود في مخيم اللاجئين من على شاشة تلفزيون فلسطين في رام الله قبل عام ونصف ( أنني أحبّ رام الله ولكنّ عودتي الحقيقية هي إلى الجليل إلى بلدتي ترشيحا ) ، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعيها المفاوض الفلسطيني بأنّ عودة اللاجىء الفلسطيني لن تكون إلى الضفة أو القطاع بل ستكون إلى الأرض الفلسطينية التي طـُرد منها عام 1948 .
2/9/2011 صلاح صبحية