لدي سؤال افتراضي: ماذا لو انهارت إسرائيل غداً؟ ولدي جواب غير افتراضي: ستنهار فلسطين بعد غد. هل هذا وذاك مجاز محض؟ كلا، ليس مجازاً.. والدليل: الثورة الفلسطينية أبان المنفى لم تنجح في "تثوير" النظام العربي، لكن السلطة الفلسطينية قد تنجح في رسم مسار جديد لاسرائيل: مسار تحطم، او انطلاقة جديدة.
لماذا؟ لأنها تقضم مكامن تفردها وقوتها على النظام العربي الفاسد، أي مؤسسات ديمقراطيتها الغريبة أو تسارع في تآكل ذخائر هذه الديمقراطية.. الجيش.. الاحزاب.. الكنيست.. والمحكمة العليا.
في الجيش، الذي هو أقوى جيوش المنطقة، وأحد أقوى جيوش العالم، يدور سجال قد يبدو للبعض منا هامشياً. هل هو جيش الربّ، أم جيش الدولة الصهيونية؟ بماذا يذكر الجيش قتلاه في حروبه؟ هل بعبارة "يذكر شعب اسرائيل.." أم "يذكر الرب" قتلى الحروب. بدأ هذا منذ حرب حزيران 67.
الجيش هو البوتقة والمصهر ومعلم اللغة العبرية للقادمين الجدد، وهو صار فرصة الترقي الاقتصادي لكبار ضباطه وحتى جنوده.. الآن، يتم "تهويد" الجيش تدريجياً ليصير "جيش الرب".
الأحزاب جميعها تحلم بما حققه، ذات دورة انتخابات، حزب "العمل" بإحرازه 54 مقعداً في كنيست من 120 مقعداً. الحزب الذي بني الدولة (والجيش والكيبوتس المتلاشي، والكنيست المسعورة، والمحكمة العليا المترددة) قد لا يجتاز تحت اسم "المستقبل" بقيادة أيهود باراك نسبة الحسم لدخول الكنيست المقبلة. المنشقون عنه قد لا يحرزون مقاعد تزيد على مقاعد "شاس" أو "اسرائيل بيتنا". الثقة العامة بالاحزاب لا تنفك عن التدهور، وأحزاب "بوب كورن" لا تعيش أكثر من دورة كنيست واحدة.
الكنيست: هذه أكثر كنيست يمينية في تاريخ اسرائيل. صارت ماكينة تشريع لقوانين عنصرية وشبه عنصرية، تليق بالحكومة الأكثر يمينية في تاريخ اسرائيل. المجتمع يميل نحو اليمين القوماني والديني، ومعه يميل الجيش والاحزاب والكنيست تالياً.
بقيت المحكمة العليا حصناً أخيراً للتعقل الليبرالي والقانوني، وهي متهمة من جانب يمين الجيش والحكومة والاحزاب والبرلمان، بأنها تميل الى "اليسار"، وتجري محاولات ومناوشات لتغيير تركيبتها عن طريق تغيير طريقة اختبار القضاة.
هناك الصحافة أيضاً، والاذاعة العامة، وصوت الجيش الاسرائيلي، يكفي دلالة أن "هآرتس" الليبرالية توزع 6% من إجمالي الصحف، بينما توزع صحيفة "اسرائيل اليوم" المجانية اليمنية، المقربة من نتنياهو، حوالي 36% من الاجمالي.
هذا تطور متسارع واعتلال متسارع للأركان التي تجعل اسرائيل "دولة ديمقراطية" وقد بدأ هذا التطور منذ تحرير الاقتصاد الاسرائيلي، و"ثورة الهاي تيك" وتحويل الشيكل عملة قابلة للتداول الحر.. وطفرة الاستيطان!
لكن، ترافق هذا التطور مع تآكل في حجم الطبقة الوسطى، التي تزيد قليلاً عن ربع المجتمع، والتي تتحمل العبء الأكبر في النمو وتدفع الضريبة الأكبر لصالح مساعدة المجتمع الأصولي متزايد الحجم، المتمتع بامتيازات هو والمجتمع الاستيطاني اليهودي، ومن الطبقة الوسطى تندلع هذه الأيام حركة احتجاج المسكن، بعد احتجاج أسعار الجبنة. لم تعد هناك سوى بقايا للاشتراكية الصهيونية، بينما يتحدثون الآن عن "رأسمالية خنزيرية". كان المهاجرون يقيمون في "المعبراة" والآن يريدون بيتاً في تل أبيب أو المستوطنات.
هذا تطور قد يكون طبيعياً في اسرائيل والعالم، لكن دولة أدمنت تهديدات" الخطر الوجودي" الذي يكتل قوى المجتمع، تبحث عنه فلا تجده إلا في صراخ هستيري زائد جداً عن إيران النووية، وعن أكبر مناورات في تاريخ الدولة "انعطافة 50" وعن صواريخ حزب الله وحماس.. وهي جميعها مخاطر قادرة اسرائيل على مواجهتها بالقوة الناجعة.. والخطر الأكبر هو "نزع الشرعية" الدولية بسبب الحملة الفلسطينية للاعتراف الدولي!
الحقيقة، لا يوجد خطر أمني ساحق يهدد اسرائيل، لكن الخطر سياسي هو الحل العادل بدولتين، الذي يدفع الكنيست الى حمأة قوانين عنصرية متلاحقة.. غايتها تحويل الدولة "دولة شريعة" يهودية.
العلمانيون الصهاينة لن يقبلوا بهذا، وبسلب الدولة منهم، وفي غياب خطر أمني وجودي، قد يبدأ الصدام الذي سيخسره العلمانيون، ويغادرون اسرائيل، وينهار المشروع الصهيوني لصالح الأصولية.
يقولون، إنقاذ اسرائيل الصهيونية بانقاذها من الاحتلال الذي صار احتلالاً يهودياً للدولة، وتحويل اسرائيل من حلم الى دولة.. الى شركة.
إذا اندلعت الحرب الأهلية الاسرائيلية. هل يقف الفلسطينيون على الحياد، كما الحروب الأهلية العربية!