( مخاضُ اللجوء )يحملُ سيجارته جالساً على كرسيٍّ قرب باب البيت يتأملنا جميعاً ، لم يعد يذكر شيء أبداً فالشيخوخة أنهكت قواه وأعلنت إعدام الذاكرة ، لم أصدق أن جدي ذاك الرجل القوي العصبي الذي كانت جميع عائلتي ترجف حين يصيح أو يزأر أنه أصبح ضعيفاً لا يقوى على شيء لا يذكر أحداً منّا ، ها قد نسيَ أسماءنا وأشكالنا ، جميعنا عائلته نجلسُ حوله نحاكيه وكأنه ضيفٌ جديد فعمتي تعرِّفه على أسماءنا فرداً فرداً وأبي يحاول أن يحيك في حديثة بعض النكت والقصص الطريفة عسى أن يرسمَ بسمةً أو ضحكةً على فمه ، أما عنه حينما نظر نحوي مبتسماً ابتسامةً بيضاء كلونِ شيبه أشعرني بأن شيئاً من الطفولة تفوح منه ، نظر إلى قلادتي وجَحَظ عينيه نحوها ، فسألتهُ :
- هل اشتقتَ إلى فلسطين يا جدي ؟؟
وقعت السيجارة من بين أصابعهِ واصدر أنيناً موجعاً باكياً بطريقةٍ مخيفة ، حينها زحفت دموعٌ على خدّي وكانت مشاعري واقفةً على الحد الفاصل بين الحزن والفرح وأدركت حينها أنّ الذاكرة شيء وفلسطين شيء آخر .
جسكالا
25/4/2009