إذا زحف الليل فوق السهوب ومرّت على الأفق كفّ الغيوم ولم يبق غير السكون الرهيب ونام الدجى تحت جنح الوجوم ولم يبق إلا نواح اليمام وهمس السواقي وأنّاتها ووقع خطى عابر في الظلام تمرّ وتخفت أصواتها
جلست أناجي سكون المساء وأرمق لون الظلام الحزين وأرسل أغنيتي في الفضاء وأبكي على كلّ قلب غبين أصيغ إلى همسات اليمام وأسمع في الليل وقع المطر وأّنات قمريّة في الظلام تغنّي على البعد بين الشجر وآهات طاحونة , من بعيد تنوح المساء وتشكو الكلال
تمرّ على مسمعي بالنشيد وتفتا تصدح خلف التلال أصيح ولا صوت غير الأنين وأرنو ولا لون غير الدجى غيوم وصمت وليل حزين فلا عجب أن أحسّ الشجا رأيت الحياة كهذا المساء
وينتهي اليوم ويسود الليل بظلماته الحوالك .. وتعزف الهواجس لحناً على قيثارة التذكار ... تجيء الأفكار وتليها أفكار .. وتليها هواجس وتنبعث الأمنيات الوردية لتثير صدى الخواطر .. وترسم أحلاماً .. وتستيقظ عواطف لنتذكر من جديد الغائب الذي طالت غيبته .. وبعدت المسافات اشتدت بيننا وبينه الأشواق ..
تبرد الأنفاس الحارة ولكن سرعان ما تعاود أنينها مرة أخرى .. ويشدو طائر الحنين لتشد رحال المودة ولتهبط بسلام على الشاطئ الآخر .
هدأت الأمواج لتعيد الكرة مرة ولترسم مشعل نور في وجه القمر ليزداد جمالاً إلى جماله الفتان .
وتنطلق نظرة بعيدة تشق حاجز المعقول وتسبح في الخيال إلى حيث تجدني .. نظرة تبحث عن الغائب في ركام الغد وتحت أنقاض المجهول ..
وتشق هذه النظرة حاجز الصمت الرهيب بخط " لولبي " تتوسطه أضواء ذات ألوان متعددة منسجمة تتجه يمنة ويسرة .. تبدو قوية حيناً وتهدأ حيناً آخر .
وتقطع ذلك الصمت قهقهات تثير العواطف وتخيف الأفكار والتي تولي هاربة تاركة خلفها جراحات الزمان المر .. تعقبها صرخات شديدة وزفرات حارة وأنات جريح....
ليل يخيف ... وأصوات مرعبة ...
وهواجس مثيرة .. قبل منتصف الليل ، مهما يكن من خوف فيه فهو جميل