بين يومي 16 و19 سبتمبر/أيلول 1982 ارتكبت مليشيا القوات اللبنانية وقوات سعد حداد وآخرين مجزرتهم الشهيرة في صبرا وشاتيلا, بدعم وتغطية من الجيش الإسرائيلي.
المجزرة وقعت في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين (جنوب بيروت) وحي صبرا اللبناني الفقير, بعد يومين من اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل. وبدت كأنها انتقام لمقتل الجميل الذي كان زعيما للمليشيات اليمينية المتعاونة مع إسرائيل.
كما أتت المجزرة بعد يوم من اجتياح القوات الإسرائيلية بقيادة وزير الدفاع وقتئذ أرييل شارون غرب بيروت وحصارها المخيم بناء على مزاعم بأن منظمة التحرير التي كان مقاتلوها قد غادروا لبنان قبل أقل من شهر خلفوا وراءهم نحو ثلاثة آلاف مقاتل في المخيم.
تحت هذه اللافتة حوصر المخيم, وقام الجيش الإسرائيلي بأمر من قيادته المتمركزة على مشارف شاتيلا بإلقاء قنابل الإنارة فوق المخيم لتسهيل تحرك رجال المليشيات داخله.
أيام المجزرة
وقد قام هؤلاء, في أيام الخميس والجمعة والسبت (16و17و 18 سبتمبر/أيلول) بعمليات قتل واغتصاب وتقطيع جثث طالت النساء والأطفال والشيوخ بصورة رئيسية, امتدت إلى مستشفيي عكا وغزة القريبين لتشمل طواقمهما من الممرضات والأطباء, إضافة إلى عائلات لبنانية تقيم في صبرا وحرج ثابت القريب.
عمليات القتل التي كشف عنها النقاب صبيحة السبت تمت، حسب المعطيات المجمع عليها, بإشراف ثلاث شخصيات رئيسية هي وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون, ورئيس الأركان رافائيل إيتان, ومسؤول الأمن في القوات اللبنانية إيلي حبيقة.
وأشار روبير حاتم (كوبرا) مرافق حبيقة في مقابلات لاحقة إلى أن بين القادة الميدانيين الذين أشرفوا على أربع مجموعات ارتكبت المجزرة, شخصين يدعيان مارون مشعلاني وميشال زوين.
ولم يعرف الرقم الدقيق لضحايا المجزرة, لكن فرق الصليب الأحمر جمعت نحو 950 جثة, فيما أشارت بعد الشهادات إلى أن العدد قد يصل إلى ثلاثة آلاف, لأن القتلة قاموا بدفن بعض الضحايا في حفر خاصة.
وأثار الكشف عن المجزرة ضجة في أنحاء العالم وفي إسرائيل، مما دفع حكومة رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة عرفت بلجنة كهان.
وخلصت اللجنة بعد شهور إلى أن شارون المعروف بمسؤوليته المباشرة عن مجازر سابقة كقبية (1955) ولاحقة كمخيم جنين (2001) مسؤول بشكل غير مباشر عن صبرا وشاتيلا, لأنه وجه المليشيات اليمينية.
واضطر شارون للاستقالة من منصب وزير الدفاع وتوارى عن المسرح السياسي لسنوات, لكنه عاد مطلع عام 2001 أقوى مما كان عندما فاز حزبه في الانتخابات وأصبح رئيسا للحكومة. غير أن مسؤولية شارون الأخلاقية عن المجزرة بقيت تطارده خارج إسرائيل.
برنامج بريطاني
فبعد أن بثت هيئة الإذاعة البريطانية في يونيو/حزيران 2001 برنامجا تناول احتمال محاكمته مجرم حرب, قام محامون متضامنون مع ضحايا المجزرة بتحرك في بلجيكا استنادا إلى قانون "الاختصاص العالمي" المقر عام 1993 الذي يسمح بملاحقة مجرمي الحرب.
ورفعت ناجية من المجزرة تدعى يعاد سرور المرعي وأسر 28 من الضحايا دعوى أمام إحدى محاكم بلجيكا لمحاكمة شارون.
وبادرت الأخيرة إلى فتح تحقيق في القضية وسط ضغوط إعلامية على المتهمين, مما دفع إيلي حبيقة إلى إبداء الاستعداد للإدلاء بشهادته أمام المحققين البلجيكيين, بعد أن أعلن أن لديه من المعطيات ما سيغير مسار الرواية التي أشاعتها تحقيقات لجنة كهان.
لكن حبيقة ما لبث أن اغتيل مع أربعة من مرافقيه في يناير/كانون الثاني 2002 في عملية تحمل على الأرجح بصمات الاستخبارات الإسرائيلية. وتعرضت المحاكمة لاحقا للإجهاض بعد ضغوط إسرائيلية وأميركية على بلجيكا, مما دفع الأخيرة لاحقا لتعديل قانون الاختصاص العالمي.