هي أبجدية الإنسان ، تكتبنا على صفحات التاريخ ، أنت أنا ، وأنا أنت ، ولو اختلفنا في كل شيء ، ألست أنا وأنت إنسان ، وإذا كنتُ أنشدّ حريتي ، فلك مني حريتك ، فإذا كنا كذلك فقد توصلنا إلى تكامل الأشياء ، رغم أنّ الأشياء تظهر بأضدادها ، فلا يُعرف الخير إلا من خلال الشّر ، ولا تُعرف الحياة إلا من خلال الموت ، ولا يُعرف النهار إلا من خلال الليل ، ولا يُعرف السّلام إلا من خلال الحرب ، ولا يُعرف الاستقرار إلا من خلال الفوضى ، هي ثنائية الأشياء ، نراها في كل مكان ، نراها في داخلنا كما نراها حولنا ، فهل نجيد قراءة هذه الأبجدية ؟
هي أبجدية الإنسان ، حروفها العلاقات المتبادلة بين الناس ، المحبة والوفاء والإخلاص ، الكراهية والحقد والبغضاء ، حروف تشيدُ وتبني ، وحروف تدّمر وتخرّب ، فأي حروف نقرأ ، وأي حروف نكتب ، هي نفسنا البشرية تختار حروفنا فنكتبها أفعالاً وأعمالا على صفحات حياتنا ، والنفس البشرية تختار من الحروف ما يؤكد وجودها في المجتمع ، تبني حياتها إمّا بتدافع أفكارها وقواها من أجل البناء ، وإمّا بدفع أفكارها وقواها من أجل الدّمار ، وهنا تظهر أهمية الحريّة في الاختيار ، اختيار الخير أم اختيار الشّر ، اختيار البناء أم اختيار الدّمار ، والذي يحدد الاختيار هي علاقة الفرد بالمجتمع ، علاقة ايجابية أم علاقة سلبية ، وهل الفرد بحد ذاته ايجابيٌ أم سلبي ، وتختلف الإيجابية والسلبية بمفهومها من فرد إلى آخر ومن حالة إلى أخرى داخل المجتمع ، وهنا تدخل لغة المصالح لتكون هي الدّالة على توجه الإنسان في الاختيار والممارسة ، وليس كل اختيار جميل قوامه سليم ، فالجوهر دائماً هو الدليل ، واكتشاف الجوهر يكون بالكشف عن أنانية النفس ، هل هي أنانية ذاتية لا تخرج عن كينونة الفرد ، أم هي أنانية شمولية تنطلق خارج إطار الفرد لتعم المجتمع ؟
ما أحوجنا اليوم لأن نسبر أغوار نفوسنا ، ونجعلها تعي جيداّ ، أنها مهما غرقت في أنانيتها الذاتية المفرطة فلن يكون بناؤها سليماً ، لأنها تجعل مصلحتها فوق مصلحة المجتمع ، وتضع مصلحتها أمام مصالح الجميع ، وأنها إذا ما اختارت الأنانية الشمولية التي تساهم في بناء المجتمع تكون قد وضعت مصلحتها كجزء من مصلحة المجتمع ، وهنا لا يمكن لهذه النفس أن تتصرف بعيداً عن مصلحة المجتمع مهما كانت مكاسبها كبيرة في إطار أنانيتها الذاتية .
هي أبجدية الإنسان ، يصوغ كلماتها عملاً خالصاً من أجل سعادة المجتمع ، وكل الأعمال التي تأخذ المجتمع إلى الهلاك هي قراءة خاطئة لأبجدية الإنسان ، هذا الإنسان الذي قرأ الأشياء على حقيقتها ونقائها منذ أن علمه الله الأسماء كلها .